العزلة والاتصال الاجتماعي

د.بكر ابو بكر

اضطررنا الى الخلوة والعُزلة والانفصال عن العالم بالجلوس في البيت ضمن الحجر الصحي الإلزامي. وكما نكرر دوما يمكننا اعتبار ذلك مصيبة، أو نعتبره فرصة وتحديا نتعامل معه كهبة وبإيجابية.

 أما عن الخلوة والانقطاع والعزلة فإن افترضناها شكلا طبيعيا للحياة بمعنى أن تكون العزلة دائمة وأبدية فهذا ما لا نقره، وإن جعلته الصوفية من مبادئها السامية، ما يختلف عن الاعتكاف الديني كالاعتكاف في العشر الاواخر من رمضان.

 اما العزلة المؤقتة ما بين فترات عمل، أو فترات توتر، أو يوميا ضمن عقلية تنظيم الوقت، فإنها مما يُحض عليه، وليس على طريقة عزلة الصوفيين أو الرهبان في الأديرة.

 بمعنى أننا من أنصار الاعتزال اليومي لفترة محددة، ما يمكننا في هذا الوقت من عمل أمر أو أكثر من الأمور الثلاثة التالية:

نحن ننعزل أو نختلي بأنفسنا لنركّز، ونحن نركز لننتج أي لنقرأ أو لندرس، لنرسم، أو لنصنع شيئا ما، او لنقوم  بأي عمل مفيد يحتاج تركيزنا الذاتي.

نحن نختلي بأنفسنا لنتّصل، بمعنى ننفصل لنتصل وكيف لا يفهم هذا الأمر! ونحن ننفصل عن المحيط والمشتّتات لنقتطع لنا وقتًا للتأمل الذاتي والتفكر، أو لمحاورة الطبيعة أو الكائنات، أو للتواصل مع الخالق عبر الصلاة والدعاء.

نحن نختلي أو نعتزل عن الذين يمتصّون فينا الطاقة الإيجابية بسلبيتهم وسوداويتهم وانتقاداتهم غير المبررة، وشكواهم التي لا تنتهي، وبوضع أنفسهم دوما في دور الضحية والمظلوم ، إذ منهم الشخص الذي لا يمل البؤس والشكاية والتذمر لك! ما يجعلك أنت تختمر بالسلبية المنقولة منه فتصبح كالشمعة الذاوية،لذا ابتعد وانعزل عنه.

 إن الأصل في الحياة هو التواصل لأن الخليقة المستخلفة للإعمار وجدت للتواصل والتعارف كما قال الله تعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ،  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13).

 ووجد التقارب الاجتماعي والتواصل، وليس التباعد الاجتماعي (ما يتم الدعوة له حاليا في ظل الكورونا لظرف محدد وليس كأسلوب حياة طبيعي) والإحاطة بالأصدقاء كنعمة وطبيعة حياة، وكما يقول النبي عليه السلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخَالِل».